كتب : أحمد الحويكى
لم تعد التكنولوجيا المالية مجرد شعارًا يتردد بين المعنيين ببيئة العمل في القطاع، أو البنوك والشركات الناشئة في مصر، بل فرض المصطلح نفسه بقوة في الأعوام الأخيرة، ليصبح الشغل الشاغل لكافة البنوك في مصر هو تدعيم خدماتها وتحديد مكانتها بين هذا السباق المشتعل، فلجأ العديد منها لعقد الشراكات مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة، مثل مصرف أبوظبي الإسلامي وبنك مصر وغيرهما، كما بدأت العديد من البنوك في تطوير خدماتها لتتواكب مع الطفرة الضخمة في قطاع التكنولوجيا المالية في مصر.
وتأتي الطفرة التي يشهدها القطاع والسباق المحتدم بين البنوك من جهة، وشركات التكنولوجيا المالية الناشئة، من جهة أخرى، مواكبًا لطفرة تشريعية وقفزة في الاهتمام التي توليه الدولة لهذا القطاع، ممثلة في البنك المركزي، الذي بدأ منذ نحو ثلاثة أعوام في تيسير الطريق للبنوك للتعاقد مع الشركات الناشئة ومقدمي خدمات الدفع الإلكتروني، فضلا عن الاستراتيجية التي أعلنها البنك المركزي لتحويل مصر لمركز إقليمي للشركات الناشئة والابتكار؛ ولعل الاهتمام الذي يوليه البنك المركزي لهذا القطاع نابع من طفرة عالمية وموجات متتالية من تطور هذه الشركات لا يمكن الوقوف أمامها إلى بمواكبتها ومجاراتها والعمل معها لتنعكس فائدتها على السوق المحلية.
ماذا فعل البنك المركزي؟
خلال الثلاثة أعوام الماضية، ومنذ بداية 2018 بالتحديد أعلن البنك المركزي عزمه تحويل مصر لمركز إقليمي هام للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والابتكار، واتخذ في سبيل ذلك العديد من الخطوات التي من شأنها تدعيم هذا التوجه، وتيسير عمل الشركات الناشئة مع البنوك، وقامت استراتيجية البنك المركزي على عدد محاور هامة أولها إصدار صندوق تمويل الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية، ثانيًا إطلاق المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية، ثالثًا إطلاق مركز التكنولوجيا المالية ومنصة Fintech Egypt، ذلك فضلا عن الإصلاحات والتشريعات المستمرة التي يتخذها البنك المركزي لتعزيز هذا الأمر.
رغم أن محاور هذه الاستراتيجية لم تتحقق في معظمها حتى الآن إلا أن ما تم تحقيقه فيها ساهم بشكل كبير في دفع هذا الأمر، حيث أطلق البنك المركزي الضوابط الخاصة بتعامل البنوك مع مقدمي وميسري خدمات الدفع الإلكتروني، لتخاطب هذه التعليمات أربع جهات أساسية معنية بعملية الدفع الإلكتروني، وهى مقدم الخدمات التكنولوجية للمدفوعات، والشركات الفرعية المتعاقدة معها، وميسر عمليات الدفع الإلكترونى، والشركات الفرعية المتعاقدة معها.
بالإضافة إلى هذه الضوابط اعتمد مجلس إدارة البنك المركزى المصري الإصدار الثالث من قواعد خدمة الدفع باستخدام محفظة الهاتف المحمول وكذا قواعد تقديم خدمتى الإقراض والادخار الرقمى من خلال محفظة الهاتف المحمول، بالإضافة إلى المعايير الخاصة باستخدام رمز الاستجابة السريع QR Code، ومعايير إصدار وقبول أدوات الدفع اللا تلامسية، والقواعد الخاصة بخدمات الدفع من خلال البطاقات المدفوعة مقدمًا.
ولتشجيع الشركات الناشئة على المضي قدمًا والعمل في السوق المحلية وتجهيزها من خلال الجهد المشترك بين الجهات الرقابية ممثلة في البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية، أطلق البنك المركزي المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية حيث نظم من خلاله فوجين للشركات العاملة في مجال التعرف على الهوية إلكترونيًا E-KYC، والفوج الثاني الذي يعمل حاليًا.
ورغم مرور ثلاثة أعوام على إعلان البنك المركزي عن عزمه إطلاق صندوق تمويل الابتكارات برأسمال مبدئي قيمته مليار جنيه يرتفع خلال خمس أعوام ليصل إلى ما بين 300-500 مليون دولار، إلا أنه لم يصدر حتى الآن.
وكشف مصدر مسئول بالبنك المركزي عن تغير الأهداف الخاصة بالصندوق، حيث كان من المقرر أن يشارك في إصدار الصندوق بعض المؤسسات الدولية، وبمساهمة من البنك المركزي، إلا أن المقترح الحالي أن يتم تأسيسه من خلال الأذرع الاستثمارية لبعض البنوك التجارية والتي تمتلك الكوادر والخبرات اللازمة لإنشاء وتشغيل وإدارة ذلك الكيان الاستثماري.
ويستهدف صندوق تمويل الابتكارات زيادة الاستثمارات الموجهة لدعم شركات التكنولوجيا المالية الناشئة خاصة في مراحلها المُبكرة، وتنشيط منظومة التكنولوجيا المالية داخل السوق المصري، ودعم الابتكار في قطاع الخدمات المصرفية والمالية الرقمية، وتعزيز التحول الرقمي ورفع معدلات الشمول المالي، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التكنولوجيا المالية. كما لم يعلن البنك المركزي حتى الآن عن افتتاح مركز التكنولوجيا المالية والذي سيكون بمثابة Greece Campus جديد على أن يتم تدشينه في مقر البنك المركزي القديم بوسط القاهرة.
البنوك تأخذ زمام المبادرة وتطلق إمكانياتها
بدأت البنوك اتخاذ خطوات نحو مواكبة التطورات في مجال التكنولوجيا المالية، سواء من خلال الاستحواذ على كيانات قائمة أو بدء تدشين كايانتها الخاصة، ومن أبرز الصفقات التي تمت مؤخرًا صفقة الأهلي تمكين، التي استحوذ من خلالها البنك الأهلي على شركة ممكن للدفع الإلكتروني،
وأتمت شركة الأهلي كابيتال القابضة، الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي المصري، صفقة استحواذها على حصة قدرها 75% في شركة التوزيع والاتصالات الدولية (ديستل – ممكن)، المتخصصة في مجال المدفوعات الإلكترونية، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة البنك هشام عكاشة في بيان صحفي .
وستنضم “ممكن” إلى منصة “الأهلي تمكين”، والتي أطلقها البنك في الوقت ذاته لتضم تحت مظلتها الشركات التابعة العاملة في مجال الخدمات المالية غير المصرفية، وستكون “تمكين” بدورها تابعة للشركة القابضة الجديدة، الأهلي كابيتال القابضة للخدمات المالية، وبلغت قيمة الصفقة نحو 140 مليون جنيه.
بنك مصر يدشن أول بنك رقمي
في سياق آخر اتفق بنك مصر مع شركة أتوس الفرنسية على تدشين أول بنك رقمي ككيان مواز لبنك مصر، ويعد المشروع هو الأول من نوعه في مصر، برأس مال 3 مليارات جنيه، ودشن بنك مصر قطاعًا كاملا للتحول الرقمي بالبنك ليقوم على تدشين الخدمات الرقمية من خلال منظومة متكامل لتقديم الحلول الرقمية المبتكرة للقطاع وتطوير الفروع وغيرها من الخدمات.
وفي إطار التعاون بين البنوك والشركات الناشئة، وقع بنك مصر مذكرة تفاهم مع شركة “Money Fellows”، ستسهم في توسع خدمات الأخيرة وتوفير المزيد من الخدمات المالية الإلكترونية وتسهيل طرق الدفع الإلكتروني وزيادة الثقة بين المستخدم والتطبيق، حيث سيقوم “بنك مصر” بتقديم خدمات الدفع الخاصة به وتيسيرها لمستخدمي “Money Fellows”، كما سيقوم بتوفير وسائل للتحصيل التي يحتاجها مستخدمي الجمعيات الإلكترونية.
كما أعلن بنك مصر عن توقيعه اتفاقية شراكة مع شركة “جيديا” المتخصصة في التقنية المالية وحلول المدفوعات، بما تتيح هذه الشراكة توفير مجموعة واسعة من حلول الدفع الشاملة وخدمات التجارة الإلكترونية لشركاء بنك مصر من التجار والمؤسسات.
وبموجب هذه الاتفاقية ستقوم شركة “جيديا” بتوفير خدمات قبول المدفوعات الالكترونية المتكاملة للتجار والمنشآت الصغيرة والمتوسطة من شركاء البنك، حيث تستهدف نشر الآلاف من نقاط البيع الإلكترونية فى مختلف أنحاء جمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات المتخصصة في مجال التجارة الالكترونية لتمكين التجار من قبول مختلف المدفوعات عبر الانترنت باستخدام جميع أنواع البطاقات، بالإضافة الى تعميم استخدام خدمة رمز الاستجابة السريعQR Code من خلال نقاط البيع والتجارة الإلكترونية. وتشمل هذه الخدمات أيضاً توفير خدمة التقسيط لحاملي البطاقات الائتمانية من بنك مصر.
كما وقع البنك اتفاقية تعاون مع شركة سهل لتقديم خدمات التحصيل الإلكتروني وتطويرها، وذلك لجميع خدمات الشركة ومنها؛ خدمة شحن عدادات الكهرباء مسبقة الدفع ودفع فواتير الكهرباء باستخدام البطاقات البنكية والمحافظ الإلكترونية عن طريق رمز الاستجابة السريع QR Code، وذلك من خلال التطبيق الإلكتروني التي تتيحه شركة سهل على الهاتف المحمول، هذا وسيتمكن المستخدم من الحصول على 5% كاش باك لفترة محدودة.
شراكة أبوظبي الإسلامي – خزنة
من ناحية أخرى أعلن مصرف أبوظبى الإسلامى- مصر، عقد شراكة ثلاثية مع الشركة الناشئة المصرية «خزنة» وشركة «المصرية للمدفوعات الإلكترونية»، المتخصصة فى تقديم حلول الدفع الإلكترونى المتكاملة، لإصدار بطاقة ميزة المدفوعة مقدمًا، والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية تحت مسمى بطاقة «خزنة ميزة» ADIB Khazna Meeza. وذلك بهدف إصدارالبطاقة الجديدة التوسع فى إتاحة الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، لتشمل قطاع غير المتعاملين مع البنوك المحلية، وذلك عبر الاستفادة من بطاقات «خزنة ميزة» المدفوعة مقدمًا، والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية التى يقدمها مصرف أبوظبى الإسلامى- مصر بالفعل لعملائه.
هذه الخدمات تُعد مثالا وليست حصرًا لما تقوم به البنوك في الوقت الحالي؛ أشرف القاضي، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، يؤكد أن البنوك المصرية تمضي قدمًا نحو تطوير وتحسين خدماتها، وابتكار الخدمات الجديدة المتوافقة مع التحول الرقمي والتوجهات العالمية الجديدة، بما سيغير شكل الخدمات بشكل كامل، موضحًا أن الشركات الناشئة أصبحت قوة دافعة نحو تحقيق هذا التحول الرقمي من خلال التعاون مع البنوك في ظل قدرة هذه الشركات على الوصول لعدد كبير من المواطنين غير المتعاملين مع البنوك.
من ناحيته قال عاكف المغربي ، نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر، إن البنوك المصرية تشهد طفرة في الخدمات الإلكترونية والتحول الرقمي، مضيفًا أن بنك مصر يولي البنك اهتمامًا كبيرًا بالمنتجات والخدمات الإلكترونية، لكونها مستقبل التعاملات المصرفية لما تمثله للعميل من تجربة مصرفية سلسة وفعالة لإنجاز تعاملاته المصرفية، وبالفعل لاقت هذه الخدمات ومنذ تقديمها إقبالًا كبيرًا ومتزايدًا من جانب العملاء، وأحرز البنك نسب نمو كبيرة في خدمات الدفع عبر المحافظ الإلكترونية BM WALLET، والتي تخطت حاجز المليون محفظة ، وأيضًا في خدمات الاستجابة السريعة QR CODE، وخدمة الإنترنت البنكي INTERNET BANKING، إذ تضاعفت أعداد العملاء المشتركين في الخدمة خلال الأشهر القليلة السابقة.
أضاف، أنه في إطار جهود البنك المركزي لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، وتدعيم البنية التحتية لنظم الدفع وإتاحة الخدمات المالية للمواطنين في شتى أنحاء الجمهورية، وإطلاق البنك المركزي مبادرة لزيادة أعداد ماكينات الصراف الآلي بنحو 6500، لضمان تقديم البنوك الخدمات المناسبة لعملائها، إذ تهدف المبادرة لتيسير المعاملات المالية والتغلب على الصعوبات التي قد تواجه بعض المواطنين في عمليات السحب والإيداع النقدي، خاصة في بعض المحافظات، وتحقيق الشمول المالي ، وذلك عبر زيادة عدد ماكينات الصراف الآلي، بما يتناسب مع الزيادة في عدد عملاء البنوك، وكذلك مراعاة التوزيع الجغرافي لتلك الماكينات.
ودعا طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم السابق، البنوك للتوسع بشكل أكبر في تقديم الخدمات المبتكرة التي تتوافق مع التوجهات العالمية، في ظل قدرة هذه الخدمات للوصول لعدد أكبر من المستخدمين على مستوى الجمهورية لاسيما غير المتعاملين مع البنوك.
وأكد أن صناعة الخدمات المصرفية ستشهد تغييرًا كبيرًا في الفترة المقبلة ولن يكون الفرع التقليدي هو السائد لاسيما في ظل التطورات الحالية على مستوى جائحة كورونا، التي دفعت العالم دفعًا نحو اعتماد نظم غير تقليدية ومبتكرة للتعامل في كافة المجالات وعلى رأسها الخدمات المصرفية والمالية.