في لحظة فارقة تعيد الأضواء إلى نضال الشعوب ضد القمع، فازت المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، لتصبح أول فنزويلية تفوز بالجائزة، وواحدة من القلائل في أميركا اللاتينية اللواتي كُرمن بها.
الفوز لم يكن مجرد تكريم سياسي، بل رسالة صريحة من لجنة نوبل إلى العالم بأن النضال السلمي من أجل الديمقراطية لا يقل أهمية عن أي جهد إنساني آخر.
من الهندسة إلى رمز المقاومة
وُلدت ماريا كورينا في كاراكاس عام 1967، وتخرجت في الهندسة الصناعية قبل أن تدخل معترك السياسة. لم تأتِ من خلفية حزبية، لكنها أسست منظمة “سوماتيه” التي راقبت الانتخابات الفنزويلية مطالبة بالشفافية والديمقراطية.
خلال العقدين الماضيين، أصبحت صوتًا لا يهدأ ضد حكم نيكولاس مادورو، وتعرضت للملاحقة والمنع من الترشح، لكنها ظلت ثابتة على نهج المقاومة السلمية، مؤمنة بأن الديمقراطية تُنتزع بالكلمة لا بالسلاح.
نوبل تُعيد تعريف السلام
اختيار لجنة نوبل لمارشادو يأتي في لحظة حساسة تعيشها أميركا اللاتينية، تمامًا كما كان الحال حين منحت اللجنة الجائزة سابقًا لشخصيات غيرت وجه التاريخ بالنضال السلمي والسياسة الحكيمة، مثل:
الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1978) الذي حصل على الجائزة مشاركةً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن بعد توقيعهما اتفاقية كامب ديفيد، ليصبح أول زعيم عربي ينال نوبل للسلام تقديرًا لجرأته في السعي نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
نيلسون مانديلا وفريدريك دي كليرك (1993) عن إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
باراك أوباما (2009) عن “جهوده في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب”.
نادية مراد ودينيس موكويغي (2018) عن دفاعهما عن ضحايا العنف الجنسي في الحروب.
ماريا ريسا ودميتري موراتوف (2021) عن دفاعهما عن حرية الصحافة.
واليوم، تنضم ماريا كورينا إلى هذه القائمة التي جمعت بين رؤساء ومفكرين وصحفيين وناشطين، جميعهم حملوا حلمًا واحدًا: أن يصبح السلام فعلًا لا شعارًا.
بين نوبل وترامب… صراع الرمزية
اللافت أن فوز ماريا كورينا يأتي بعد سنوات من الجدل الذي أثاره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حين طالب علنًا بمنحه جائزة نوبل للسلام، عقب توقيع “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في عام 2020.
ترامب اعتبر أن جهوده في الشرق الأوسط تستحق التكريم، وقال حينها: “لقد رشحوني أكثر من مرة، لكن لجنة نوبل غير نزيهة بما يكفي.”
لكن لجنة نوبل ظلت متمسكة بمبادئها الراسخة: الجائزة لا تُمنح لأصحاب السلطة أو النفوذ، بل لمن يواجههما دفاعًا عن القيم الإنسانية. وهو ما ينطبق على ماريا كورينا، التي حاربت الاستبداد بلا جيش، ولا سلطة، فقط بإيمانها بأن الكلمة أقوى من الرصاص.
السلام.. فكرة لا جائزة
فوز ماريا كورينا ماتشادو يُعيد التذكير بأن “السلام” لا يُقاس بعدد المعاهدات، بل بمدى قدرة الأفراد على إشعال الأمل في شعوبهم.
إنها جائزة لكل امرأة تواجه القمع، ولكل شعب لا يزال يبحث عن صوته.
وفي زمنٍ يتسابق فيه البعض على الجوائز، جاءت ماريا كورينا لتقول للعالم:“السلام لا يُمنح… السلام يُنتزع.”






