ربما تكون قد سمعت عن دواء “أوزيمبيك” (Ozempic)، العلاج الخاص بمرض السكري، والذي يُوصف بأنه معجزة في فقدان الوزن، وهو من إنتاج “نوفو نورديسك” (Novo Nordisk)، عملاق الرعاية الصحية الدنماركي.
لقد عملت أدوية محفزات مستقبلات GLP-1، أو “الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1” الخاصة بإنقاص الوزن وعلاج السكري، على إحداث تحول جذري في نظرة المستثمرين إلى قطاع الرعاية الصحية خلال السنوات الأخيرة.
وفي منصة إيتورو، أجرينا تحليلاً للشركات المنتجة لهذه العلاجات، وتبيّن أنها حققت عوائد تشبه تلك التي نراها عادة في أسهم التكنولوجيا عالية النمو، وعلى نحو يفوق ما تحققه شركات الأدوية التقليدية.
وقمنا في هذا التحليل ببناء سلتين من أبرز شركات الأدوية، حيث تركز الأولى على منتجي أدوية GLP-1، وتشمل “نوفو نورديسك” و “إيلي ليلي” و “سانوفي” و “تيفا” و “حكمة”. وتضم الثانية الشركات المنافسة غير المتخصصة في GLP-1، مثل “نوفارتيس” و “جونسون آند جونسون” و “غلاكسو سميثكلاين” و “أبفاي” AbbVie و “باير”. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفعت سلة الشركات المتخصصة بأدوية GLP-1 بنسبة 130% مقارنة بـ 42% فقط للشركات غير المتخصصة، كما تفوقت في أدائها على مؤشرات “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة (+98%)، و “يوروستوكس 50” بنسبة (+73%) و “فوتسي 100” بنسبة (+59%).
ويزداد هذا الأداء تميزاً بالنظر إلى أنه تحقق رغم التحديات التي واجهها القطاع خلال العام الماضي، إذ تراجعت سلة الشركات المتخصصة بإنتاج أدوية GLP-1 بنسبة 12% خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، مع انخفاض أسهم “نوفو نورديسك” بنسبة 50%، بينما ارتفعت شركات الأدوية غير المتخصصة بهذه الأدوية بنسبة 10%. وبالمقارنة، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 16% في الفترة نفسها.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كان الأداء الأبرز من نصيب “إيلي ليلي” التي قفز سهمها بنسبة 486%، تلتها “تيفا” التي ارتفع سعر سهمها بأكثر من الضعف (+116%). أما “نوفو نورديسك”، فقد ارتفعت بنسبة 76% رغم التراجع الحاد خلال العام الأخير، في حين انخفض سعر سهم “حكمة” بنسبة 28%. وفي المقابل، كانت “أبفاي” الأقوى بين الشركات غير المتخصصة بأدوية GLP-1 (+168% خلال خمس سنوات)، بينما احتلت “باير” المرتبة الأضعف، نظراً لتراجع سهمها بنحو 40%.
ويُتوقع أن تصل قيمة سوق أدوية إنقاص الوزن إلى نحو 130 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030، وهو ما يتطلب نمواً سنوياً يقارب 50% من مستويات اليوم. لكن خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، عانت أسهم الشركات المنتجة لعقاقير GLP-1 من الضغوط بسبب إعادة ضبط التوقعات المرتفعة للغاية. ورغم الارتفاع الكبير في تقييمات الأسهم، أعلنت “نوفو نورديسك” أن أرباحها لن تنمو بالوتيرة المتوقعة، ما دفعها إلى تسريح 9,000 موظف، فضلاً عن تقليص عملياتها التشغيلية.
وهيمنت “نوفو نورديسك” منذ فترة طويلة على هذا السوق من خلال منتجاتها من الأنسولين وأدوية GLP-1 التي توفر إدارة أكثر فاعلية وطويلة الأمد للمرضى، كما تعمل على تحسين حياتهم على مستوى العالم. ومع ذلك، أدى الطلب المتزايد على هذه الأدوية إلى اشتداد المنافسة، حيث برزت “إيلي ليلي” كمنافس رئيسي أكبر حجماً وأكثر تنوعاً في خدماتها الصحية، وقفزت أسهمها خلال السنوات الخمس الماضية، مدفوعةً بنجاح دوائها لعلاج السكري Zepbound الذي أظهر نتائج قوية في فقدان الوزن.
ورغم التحديات الأخيرة، فإن النمو الهائل المتوقع يجعل هذا القطاع من أكثر الفرص جذباً في عالم الرعاية الصحية، حيث تتسابق شركات الأدوية الحيوية لتطوير العلاج الثوري القادم. وعلى الرغم من صعوبة تحديد الشركة التي ستقود المشهد مستقبلًا، يبقى في حكم المؤكد أن هذا القطاع ينطوي على فرص استثنائية للنمو.
وكلما ارتفع متوسط العمر المتوقع، ازدادت معه معدلات الإصابة بالسكري، لا سيّما في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعاني أكثر من شخص واحد من كل خمسة بالغين مع هذا المرض. ولا تقتصر آثار هذه الظاهرة على الأسواق المالية فحسب، بل تمتد إلى القطاع الصحي وسلوك المستهلكين؛ إذ باتت شهرة أدوية GLP-1 تؤثر حتى على سلاسل التوريد الطبية وثقافة تناول الطعام، حيث بدأت بعض المطاعم في دبي تقدم قوائم بأحجام وجبات أصغر لتلبية احتياجات من يستخدمون أدوية كابحة للشهية.
أما بالنسبة إلى المستثمرين، فما تزال أدوية GLP-1 تمثل واحدة من أكثر القصص إثارة في عالم الرعاية الصحية. ورغم مرحلة التصحيح الأخيرة بعد موجة صعود استثنائية، تُظهر الصورة الأشمل أن الطلب العالمي في تزايد سريع، بما في ذلك في الشرق الأوسط، وأن الشركات الرائدة في هذا المجال لا تزال تُشكّل أحد أكبر التحولات في قطاع الرعاية الصحية في العصر الحديث.






