لم تكن أزمة جائحة كورونا سببا في الاهتمام بقضايا الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الخدمية والاقتصادية بصفة عامة فقط ، ولكنها كشفت أيضًا عن قضايا ضريبية دولية يجب الاهتمام بها من الآن حتى لا نواجه مشاكل كثيرة في المستقبل، ومن أبرز هذه القضايا هي قضية المنشأة الدائمة .
طبقا لقانون الضريبة علي الدخل واتفاقيات تجنب الإزدواج الضريبي المبرمة بين مصر وكثير من الدول يخضع الشخص غير المقيم للضريبة في الدولة التي يمارس فيها نشاطا تجاريا أو صناعيا اذا كان يمارس هذا النشاط من خلال منشأة دائمة في تلك الدولة .
ويعرف القانون واتفاقيات تجنب الإزدواج الضريبي المنشأة الدائمة بأنها ” المكان الثابت للأعمال ” ، وبينما لايضع القانون حدا أدني لمدة أداء الأعمال التي ينشأ عنها منشأة دائمة ، فإنه طبقا لمعظم الإتفاقيات لايترتب علي تواجد الشخص غير المقيم وممارسته النشاط في الدولة وجود منشأة دائمة الا اذا استمر هذا التواجد لأكثر من سته أشهر في تلك الدولة وبناء عليه يخضع للضريبة فيها .
وقد أصاب الوباء العالم كله ، وأصبح هناك قيودا على السفر خلفت عالقين في معظم الدول غير قادرين علي مغادرة البلاد المتواجدين فيها بغرض العمل وهو ماسوف ينتج عنه مشاكل ضريبية .
فمثلا لو أن هناك شخص طبيعي مقيم في فرنسا يعمل ممثلا لإحدى الشركات في مصر لفترة تقل عن ستة شهور فإنه لا يخضع للضريبة لأنه لا يمثل منشأة دائمة، ولكن نتيجة قيود السفر الناتجة عن جائحة كورونا فإنه اضطر للبقاء في مصر مدة تزيد عن ستة أشهر ، فهل يخضع للضريبة في مصر نتيجة ذلك ؟
وفقا لإرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعتبر البقاء لأكثر من مدة الستة شهور بسبب القيود الناتجة عن جائحة كورونا ظرفا قهريا ، ولا يعتبر العالقون في أي دولة بسبب ذلك لأكثر من هذه المدة منشأة دائمة ولايخضعون بالتالي للضريبة في تلك الدولة ، ونصحت المنظمة الدول بإصدار تعليمات وقواعد بهذا الشأن .
فهل استعدت مصلحة الضرائب المصرية لهذا الأمر ، أم اننا سوف نواجه مشاكل كبري عند حصر ومحاسبة تلك المنشآت ضريبيا في المستقبل؟
هذا فقط مجرد مثال لحالات عديدة ، أنصح كلا من وزارة المالية ومصلحة الضرائب بدراستها جيدًا ، وأن تصدر المصلحة من الآن قواعد التعامل الضريبي مع تلك الحالات تجنبا لحدوث العديد من المشاكل مع دول بيننا وبينها اتفاقيات منع الازدواج الضريبي.
وهنا يمكن القول أن الأمر الواقع فرض عدة موضوعات لم تكن في الحسبان خاصة وأن التعامل عن بعد هو المستقبل وهو القادم ، وسوف تكون الغلبة في المستقبل القريب للإقتصاد الرقمي، لذا فإن العمل الضريبي يجب أن يواكب التطورات الاقتصادية عالميا ومحليا ، مع الحفاظ – في نفس الوقت – علي استقرار السياسات الضريبية والاقتصادية.
ومن هنا أيضا تنطلق فكرة التخطيط للمستقبل ومحاولة استشرافه من خلال معطيات موجودة بالفعل ومن الممكن أن تؤثرفي النظام الضريبي، وبناء على ذلك ينبغي أن تقوم مصلحة الضرائب بدراسة الآثار المستقبلية للمتغيرات الحالية بدقة مستعينة في ذلك بالخبراء الحقيقيين ، ووضع قواعد المعاملة الضريبية للتعاملات الخاصة بالشركات متعددة الجنسيات لأننا لا نعيش وحدنا في هذا العالم ولا نتعامل وفق قوانين محلية فقط بل أصبح العالم كله يعيش تحت مظلة واحدة تؤثر في قوانينه المحلية وتتأثر بها.