تاريخيا .. لم تشهد القوانين والقرارات الاقتصادية ردود أفعال غاضبة مثل تلك التي شهدها قرار تطبيق الضريبة علي الارباح الرأسمالية ، أو ربما تكون علي الاقل ثاني أنواع الضرائب التي تشهد هذا الجدل الواسع بعد الضريبة العقارية التي خاض من أجلها الدكتور يوسف بطرس غالي معركة حامية في البرلمان عام 2008 .
أكثر من 10 أعوام تمر علي التفكير الجاد في فرض الضريبة علي الأرباح الرسمالية علي تعاملات البورصة ، لم ينجح فيها تطبيق هذا النوع من الضرائب ، رغم عدالتها ، بسبب هجوم المعنيين بالبورصة ، فلم يمر تطبيق الضريبة بسلام .
بداية الاتجاه الجاد نحو التطبيق
في عام 2014 بدأت الحكومة التفكير الجاد نحو تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية علي البورصة و تحديدا في شهر يوليو من نفس العام بعد نشر قانون فرض الضريبة علي معاملات البورصة في الجريدة الرسمية .
و كان التطبيق سيتم عبر قيام شركة مصر المقاصة بخصم 6% من الربح المحقق للمستثمر الأجنبي مع كل عملية تحت حساب الضريبة لكن بالنسبة للمستثمر المصري سنسجل الأرباح المحققة ونرسلها لمصلحة الضرائب وهي من ستقوم بالتحصيل.
وفي نفس القانون تم اقرار ضريبة ايضا علي التوزيعات النقدية و كانت الية التطبيق تقضي بخصم 1 % من أي توزيعات للأفراد على أن يقوم بدفع باقي الضريبة للمصلحة نهاية العام وبالنسبة للمستثمر الأجنبي والشركات سنقوم بخصم الضريبة كاملة عشرة بالمئة”.
وقبل بدء التحصيل في عام 2015 ، و تحديدا في مايو 2015 تم اتخاذ قرار بتاجيل تطبيقها لمدة عامين مع الاستعاضة عن تطبيقها بضريبة دمغى علي تعاملات البورصة .
ومع انتهاء فترة التأجيل و دخول التحصيل مرحلة الحسم ، كانت قد بدأت جائحة كورونا تلوح في الافق ، تراجعت معها كافة الانشطة الاقتصادية و من بينها أنشطة الاستثمار في البورصة ، ليتم اتخاذ قرار بالتاجيل حتي 2021 .
ايقاف العمل بضريبة الدمغة عام 2021
و أوقفت الحكومة في نهاية مارس 2021 ، العمل بضريبة الدمغة المفروضة على المتعاملين بالبورصة منذ 2017، واعادت العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية -التي تم تأجيلها خلال تلك السنوات- بداية من يناير 2022، ليبدأ احتسابها على تعاملات المتداولين الذين تزيد أرباحهم على 10% مع مراعاة الخسائر المرحّلة لثلاث سنوات ماضية.
ولكن عادت وزارة المالية، وقررت التجاوز عن ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة المصرية لعام 2022 ، و بدء التطبيق من مارس 2023 .
تشريع جديد
و قبل أيام أعلن مجلس الوزراء تأجيل تحصيل هذه الضريبة حتي الموسم الضريبي مارس/أبريل 2025، وذلك من خلال شركة مصر للمقاصة عن عام 2024 ، و لذلك سيكون علي الحكومة اصدار تشريع بالتجاوز عن تحصيل الضريبة خلال الفترة الماضية ، بحسب مصادر حكومية .
التطبيق و التأجيل بين العدالة و تأثر أرباح المنتفعين من سوق المال
قد ينظر البعض الي الضرائب وكأنها اداه جباية وتحصيل فقط ، و هم في نفس الوقت من ينظرون الي ضريبة الأرباح الرأسمالية علي تعاملات البورصة و كأنها اداه مكبلة للاستثمار ، ولكن علي الجانب الاخر فان الضريبة تستخدم كاداة لاقرار العدالة الاجتماعية ، فليس من المنطقي أو الدستوري خضوع بعض الاوعية الي الضرائب واعفاء أوعية أخري .
ضريبة علي الموظفين وضريبة عقارية
في مصر تطبق أنواع عديدة من الضرائب ، والأصل في تطبيقها تحقيق الربح ، فهناك علي سبيل المثال لا الحصر ضريبة تخصم من المنبع علي مرتبات الموظفين ، و ضريبة علي العقارت المبنية ، و تم استبدال ضريبة الأرباح الرأسمالية علي البورصة في مرحلة من مراحل النزاع بضريبة الدمغة علي التداول و ليس علي الربح ، و ضريبة التوزيعات النقدية ، فهل هذه الضرائب عادلة و غير مؤثرة علي الأنشطة ، و المشكلة تكمن فقط علي الارباح الرأسمالية .
كما ان ضريبة الأرباح الرأسمالية مطبقة علي الأنشطة الصناعية والتجارية العادية ، كجزء من ضرائب الدخل و قد وضعت الحكومة لها مستهدفا في موازنة العام المالي المقبل 2024/2025 ، بنحو 3.1 مليار جنيه مقابل 2.7 مليار جنيه تستهدف تحقيقها مع نهاية العام المالي الجاري .
و هناك ضريبة أخري تطبق علي السلع و الخدمات الضرورية ، و هي الضريبة علي القيمة المضافة ، والتي تم توسيع نطاقها بشكل كبير لنفس الغرض وهو الا يكون هناك سلعة أو خدمة غير خاضعة بهدف تحقيق العدالة الضريبية .
صندوق النقد
في كل تقاريره و مراجعاته الخاصة يرغب صندوق النقد في توسيع قاعدة المجتمع الضريبي ، و دائما ما يصر علي خضوع كافة الأوعية الضريبية ، فمعظم الأنظمة الضريبية المتقدمة تفعل هذا .
تنظيم الأموال الساخنة
سبقت مصر في تطبيق تلك الضريبة العديد من دول العـالم، وعلـى رأسـها الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بالبرازيل والهند و ماليزيا، وانتهـاءا بـدول الإتحاد الأوروبي و كان الغرض من تطبيقها هو الحد من المضاربة، ودخول وخروج الأموال الـساخنة إلـى بورصـاتها.
و بحسب خبير في الضرائب الدولية ، فان الحكومة ستقوم باستصدار قانون بالتجاوز عن تحصيل الضريبة خلال الفترة الماضية ، وحتي موسم 2024 ، و لن تقوم باصدار قانون للتأجيل او الالغاء ، نظرا لحساسية موقف البرنامج الاصلاحي الذي اتفقت مصر علي مع الصندوق ، و الذي يشمل في جزء منه تطبيق هذا النوع من الضرائب .