في لحظة فارقة تتطلب فيها الساحة الاقتصادية المصرية مزيدًا من الحراك النوعي، كشف أحمد كجوك، وزير المالية، عن موازنة وصفت بـ«الطموحة جدًا» للعام المالي الجديد، تبدأ مع يوليو المقبل، وتحمل في طياتها رسالة واضحة: الدولة تفتح الطريق أمام القطاع الخاص لقيادة قاطرة النمو.
78 مليار جنيه دفعة قوية للقطاع الخاص
في خطوة تؤسس لشراكة أكثر عمقًا بين الحكومة ومجتمع الأعمال، أعلن كجوك تخصيص ٧٨ مليار جنيه لتحفيز القطاع الخاص، في حزمة تستهدف تعزيز الإنتاج والتصدير، وتحسين تنافسية الاقتصاد المصري. الرقم في حد ذاته يعكس قناعة الدولة بأن أي تعافٍ اقتصادي حقيقي لا بد أن يمر عبر بوابة القطاع الخاص.
القطاع التصديري في صدارة الأولويات: 45 مليار جنيه لضمان السيولة
وبمنهجية تقوم على التوقيت الحاسم، تم تخصيص ٤٥ مليار جنيه لبرنامج رد الأعباء التصديرية، بدءًا من يوليو، وهو ما يُعدّ إشارة مباشرة للمصدرين بأن الحكومة جادة في التزامها بصرف مستحقاتهم دون تأخير، وتعمل على دعم استقرارهم النقدي وسط تحديات السوق العالمية.
السياحة والصناعة.. وجهان لرؤية اقتصادية واحدة
الاستثمار السياحي أيضًا كان حاضرًا في أجندة الإنفاق الجديد، مع ٨,٤ مليار جنيه لزيادة الطاقة الاستيعابية للغرف الفندقية، ما يعكس رهانًا على السياحة كأحد روافد النقد الأجنبي السريعة. أما الصناعة، فقد حصلت على ٢٩,٦ مليار جنيه لدعم الإنتاج الصناعي بزيادة ٦٩٪ عن موازنة العام الحالي، في مؤشر إلى توجه استراتيجي لتوطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
الصناعات ذات الأولوية والمشروعات الصغيرة.. استهداف مباشر للنمو المتوازن
في تفاصيل الموازنة الجديدة، نجد ٥ مليارات جنيه مخصصة للصناعات ذات الأولوية، وأخرى مماثلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وهو توزيع يستهدف تحقيق نمو اقتصادي متوازن وشامل، لا يُقصي أحدًا من المعادلة.
السيارات والطاقة: تحولات هيكلية بتمويل حكومي
وفي ملفين استراتيجيين، تم تخصيص ٣ مليارات جنيه لدعم صناعة السيارات ومكوناتها، و٣ مليارات أخرى لمبادرات التحول لمصادر الطاقة الكفؤة والأقل تكلفة، في توجه يعكس وعيًا حكوميًا بالتحولات العالمية في الطاقة والنقل، وحرصًا على مواءمتها محليًا.
قراءة في الرسالة الأوسع:
الموازنة الجديدة ليست مجرد أرقام، بل رؤية متكاملة لإعادة ضبط هيكل الاقتصاد المصري، على قاعدة الإنتاج لا الاستهلاك، والشراكة لا المركزية. فإذا ما تضافرت تلك المبادرات مع إصلاحات هيكلية فعلية في البيئة التنظيمية، فإن هذه المخصصات قد تشكل نقطة انطلاق حقيقية نحو اقتصاد أكثر تنافسية واستدامة.








