- في بلد يتجاوز عدد سكانه 105 ملايين نسمة، ويمتد فيه استخدام الهاتف المحمول إلى ما يقارب 95% من المواطنين، يُفترض أن يكون سوق الاتصالات في مصر ساحة تنافسية تزدهر فيها الخدمات وتتنوع الخيارات. لكن الواقع يُظهر فجوةً بين طموحات الشركات العاملة، وفي مقدمتها “e& مصر”، وبين ما يحصل عليه المستخدم المصري فعليًا على الأرض.
“e& مصر”، التي تمثل الذراع المصرية لمجموعة e& الإماراتية (اتصالات سابقًا)، تُعد من أبرز اللاعبين في السوق المحلي، لكنها تواجه تحديًا مزمنًا: كيف تواكب النمو الديموغرافي والتقني داخل مصر بجودة خدمة تقنع المواطن وتنعكس إيجابًا على أداء الشركة الأم في أبو ظبي؟
أداء e& مصر: أرقام واعدة على الورق
بحسب التقارير الرسمية للمجموعة الأم، حققت “e& مصر” نموًا كبيرًا في إيراداتها بلغ نحو 67% بالعملة المحلية خلال 2024، لتصبح واحدة من أسرع الأسواق نموًا ضمن محفظة e& الدولية.
لكن التحفظ يأتي عند تحويل هذه الأرقام إلى نتائج فعلية قابلة للقياس في السوق الإماراتي، إذ يؤدي تراجع سعر صرف الجنيه المصري إلى تقليص هذا النمو بشكل كبير عند حسابه بالدرهم، ليظهر في التقارير الرسمية كنمو هامشي يتراوح بين 3% و5%.
ورغم ذلك، تظل مصر سوقًا استراتيجيًا مهمًا للمجموعة، لما تمثله من قاعدة مستخدمين ضخمة، ونمو قوي في استخدام البيانات والخدمات الرقمية.
الواقع الميداني: شبكة متوسطة وأداء متفاوت
في تقييم جهاز تنظيم الاتصالات المصري (NTRA)، تُظهر اختبارات الجودة أن “e& مصر” تحقق نتائج جيدة في المدن الكبرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، لكنها تتراجع في محافظات الصعيد والدلتا، حيث تزداد شكاوى المستخدمين من ضعف التغطية وبطء الإنترنت.
وتضع تقارير مستقلة مثل Opensignal وSpeedtest الشركة في المرتبة الثالثة في جودة وسرعة خدمات البيانات، بعد فودافون وWE.
وتُظهر المؤشرات:
متوسط سرعة التحميل: نحو 18 ميجابت/ثانية.
تجربة الفيديو: أقل من فودافون وWE.
استقرار الشبكة: جيد في المدن، متوسط في الريف.
رغم الاستثمارات الكبيرة، ومنها الحصول على رخصة الجيل الخامس (5G) في أكتوبر 2024، لم تُحدث نقلة نوعية بعد في تجربة المستخدم.
الحصة السوقية: بين النمو المالي والمنافسة الصلبة
تبلغ الحصة السوقية لـ e& مصر نحو 20–22%، مقارنة بنحو 43–45% لفودافون و27–28% لأورنج، وهو ما يعكس تحديًا في توسيع قاعدة المستخدمين رغم التوسع في الخدمات الرقمية.
ورغم أن الشركة تحقق أداءً ماليًا جيدًا، إلا أن جودة الخدمة وشبكة التوزيع لا تزال تؤثر على نموها الفعلي في السوق، مقارنةً بمنافسيها.
الانعكاس على الشركة الأم في أبو ظبي: تأثير مزدوج
تمثل السوق المصري أحد أصول النمو الاستراتيجي لمجموعة e&، لكنها أيضًا تطرح تحديًا في معادلة النمو المالي مقابل جودة الخدمة.
1. تأثير إيجابي استراتيجي:
مصر من أكبر أسواق e& الدولية.
النمو السريع يعزز صورة المجموعة أمام المستثمرين كمصدر لتنويع الإيرادات.
2. تأثير سلبي على التقييم المالي:
انخفاض الجنيه يُضعف تأثير الأرباح عند تحويلها إلى الدرهم.
ضعف جودة الخدمة يؤثر على سمعة المجموعة في الأسواق التنافسية.
3. غياب الانعكاس المباشر في سوق المال:
رغم نجاح e& مصر التشغيلي، لم ينعكس ذلك على أداء سهم المجموعة في بورصة أبو ظبي.
السهم تراجع بنسبة تفوق 50% في ثلاث سنوات، رغم تحقيق المجموعة نموًا في إيراداتها.
رغم الأرقام المبشرة، فإن ما يحصل عليه المستخدم المصري فعليًا لا يزال أقل من طموح السوق أو استحقاقه. ولكي تتحول “e& مصر” من قصة نمو على الورق إلى قصة نجاح حقيقية، لا بد من أن تترافق الاستثمارات الرقمية مع تحسين جذري في جودة الشبكة والتوزيع الجغرافي للخدمة.
وفي الوقت نفسه، فإن الشركة الأم في أبو ظبي مطالبة بترجمة هذا النمو التشغيلي إلى قيمة مضافة للمستثمر، عبر تخفيض فجوة الأداء بين السوق المحلي المصري والتقييم الاستثماري الدولي.
ففي عالم الاتصالات، تبقى جودة الخدمة هي المعيار الأخير للحكم، مهما ارتفعت مؤشرات الإيرادات.







