مع اقتراب انتهاء مهلة توفيق الأوضاع المصرية بشأن الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف ل تبادل المعلومات MLI ، والتى تعتبر جزءا لا يتجزأ من اشتراطات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD لانضمام الدول الى اتفاق مكافحة تاكل الوعاء الضريبى و نقل الأرباح BEPS ، أعلنت مصر مطلع الشهر الماضى انها وقعت على الاتفاق الذى سيدخل الاتفاقية حيز التنفيذ مطلع العام المقبل ، وأنها أودعت اجراءاتها الخاصة بتوفيق الأوضاع لدى المنظمة فى سبتمبر الماضى .
يتزامن ذلك مع صدور تشريعين هامين هما قانون البنوك الجديد الذى صدر فى يوليو الماضى ،
وقانون الاجراءات الضريبية الموحد الذى صدر فى أغسطس الماضى ،
واحدا تلو الاخر ليؤكدان عدم المساس بسرية الحسابات البنكية لأغراض الضريبة حتى ولو صدر بذلك حكم من محكمة الاستئناف .
و منذ بدء الاجراءات الرسمية التى سعت لها مصر منذ نحو 3 سنوات ،
وبالتحديد فى عام 2017 بتوقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاقية مكافحة تاكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح ،
و منذ مساعيها قبل 10 سنوات لتطبيق أنظمة تحد من ألاعيب الشركات الدولية للتهرب من الضرائب ،
كان شرطا أساسيا ان تمهد مصر لبيئة تشريعية وتنفيذية تكفل تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء ،
و الا دخلت القائمة السوداء التى تمنح الدول الأعضاء فى الاتفاقية حق المعاملة بالمثل ،
أى عدم الكشف عن حسابات الشركات او الاشخاص الذين تشتبه مصر فى تهربهم ضريبيا .
بنود مفخخة
فى قانون البنوك الجديد الذى صدر يوليو الماضى ، ألزمت المواد (140- 143) بالمحافظة على سرية الحسابات المصرفية باعتبارها من أهم ركائز النظام المصرفى، وحددت نطاقها وحالات وإجراءات كشف السرية.
وفى قانون الاجراءات الضريبية الموحد الذى صدر فى أغسطس الماضى
ألغى رئيس مجلس النواب الدكتور على عبد العال إحدى مواده قبل عرضها على النواب للمناقشة ،
وهى المادة التي كانت تجيز لموظفي الضرائب الطلب من رئيس محكمة الاستئناف، الحصول على بيانات متعلقة بحسابات عملاء البنوك
وقال رئيس مجلس النواب وقتها المادة دي تتعارض مع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي
الذي ينص على الحفاظ على سرية بيانات عملاء البنوك، و اضاف : مادة مفخخة لن أعرضها على النواب،
ليتبخر بذلك الأمل الأخير فى تمرير الاجراءات المصرية فى مجال تبادل المعلومات البنكية ،
والتى تعد أهم اشتراطات مكافحة التهرب الضريبى الدولى .
” بلوك ” بحلول مارس المقبل دون تبادل المعلومات
وقبل نهاية الربع الأول من العام المقبل 2021 ، تنتهى مهلة توفيق الأوضاع الخاصة باتفاق تبادل المعلومات ،
وهو ما يعنى ان مارس 2021 هو الموعد الأخير الذى يجب ان تجد فيه مصر حلولا فاعلة لتفعيل اتفاق تبادل المعلومات ،
أو تحصل على ” بلوك ” من الدول الأعضاء ، فهل من الممكن ان تطرح مصر حلولا أخرى ؟ .
3 سنوات من العمل و النقاش حول ملف تبادل المعلومات
عقب توقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاقية مكافحة تاكل الوعاء الضريبى و نقل الأرباح فى عام 2017 ،
بدأت فى تفعيل بعض الاجراءات الخاصة لتوفيق الأوضاع ، ومنها صدور دليل السعر المحايد ،
والذى يتضمن طرق محاسبة الشركات الدولية .
ثم بدات مصر ممثلة فى وزارة المالية فى انشاء وحدة للضرائب الدولية بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ضمت 11 موظفا من مصلحة الضريبية تم تدريبهم على أعلى مستوى .
عملت الوحدة على بعض نماذج الشركات الدولية لتثبت فروقا فى احتساب الضريبة عليها بين ما قدمته الشركة فى اقراراتها الضريبية وبين ما فحصته الوحدة ، و أخطرت الشركات بذلك طبقا للقانون .
و فى عام 2018 نظمت وزارة المالية أول مؤتمر دولى عن الضرائب الدولية ،
حضره مندوبين عن المنظمة ، ليبدأ تبادل الخبرات الفنية رسميا .
و فى نوفمبر الماضى أعلنت الوزارة انها وقعت على اتفاق تبادل المعلومات ، وأ نها أودعت كافة الاجراءات التى اتخذتها تجاه هذا الملف لدى المنظمة ، كخطوة نحو التفعيل .
مناقشات حامية بين المركزى والضرائب
مر أكثر من عامين دارت خلالهما نقاشات حامية بين البنك المركزى المصرى و مصلحة الضرائب المصرية ، انتقلت من شكل التصريحات الصحفية الى ما تحت القبة ، حول قضية الكشف عن سرية الحسابات لأغراض الضريبة لا لشئ أخر .
بدأت المناقشات الحامية فى عام 2018 ، بتصريح من رئيس مصلحة الضرائب وقتها ، بأن المصلحة أعدت تعديلا على أحد مواد قانون الضريبة على الدخل تكفل الكشف عن سرية الحسابات لأغراض الضريبة .
قابلتها عاصفة من التصريحات من جانب محافظ البنك المركزى ، مفادها أن سرية الحسابات البنكية خط أحمر ، لن يسمح بالمساس به ، ثم اعتذار الضرائب عن تصريحها .
و انتقلت نفس المناقشات الى ما تحت قبة البرلمان ، أثناء مناقشة تشريعى البنوك ، والاجراءات الضريبية ، والتى انتهت بغلق الجدل نهائيا حول قضية كشف سرية الحسابات .
و التساؤل الان ، هل تملك مصر من الاجراءات ما يكفل لها دخول حيز التنفيذ قبل حلول مارس المقبل أم أن كافة الجهود الرامية الى مكافحة هذا النوع الذى بات يؤرق العالم كله من التهرب الضريبى ستذهب هباءا ؟ .