وسط تصاعد التحديات المالية التي تواجهها الحكومات، ومع تزايد الحاجة إلى أدوات تمويل أكثر مرونة وأقل تكلفة، برزت الصكوك السيادية كخيار جذاب أمام صانعي السياسات، لا سيما في الدول التي تمتلك قاعدة ضخمة من الأصول العامة غير المستغلة. لكن هذا الطرح لا يدور في فراغ؛ إذ تُثار تساؤلات جوهرية حول جدواه، وشروط نجاحه، ومخاطره المحتملة. في هذا السياق، يكتسب تخصيص الأراضي والأصول العقارية لصالح وزارة المالية أو كيانات سيادية أهمية مضاعفة، باعتبارها خطوة تمهيدية ضرورية لإصدار الصكوك، لكنها في الوقت نفسه تفتح بابًا واسعًا للنقاش العام حول حدود “الانتفاع” دون “البيع”، والفرق بين التمويل القائم على الأصول، وتسييلها.
تُعد الصكوك السيادية أداة تمويلية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، لكن جاذبيتها لا تقتصر على هذا الجانب فقط. بل تكمن في قدرتها على جذب قاعدة أوسع من المستثمرين، وخاصة في الأسواق التي تشهد قيودًا على الدين التقليدي أو تحتاج إلى تنويع أدوات تمويلها. وتزداد هذه الجاذبية أضعافًا عندما تُربط الصكوك بأصول حقيقية – من أراضٍ أو مبانٍ أو مشروعات – كما تفعل بعض الدول عند تخصيص أصول لصالح وزارات المالية أو صناديق سيادية.
المنطق بسيط لكنه قوي: المستثمر يفضل الصكوك المدعومة بأصول، لما تمنحه من ضمانات عينية ومصداقية، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية. وفي هذا الإطار، تصبح الأصول الحكومية بمثابة صمام أمان لإصدارات الدين – دون بيعها فعليًا. فالصكوك هنا لا تنقل الملكية، بل تنقل حق الانتفاع لمدة زمنية، وهو ما يجعلها جذابة دون إثارة القلق الشعبي المرتبط ببيع ممتلكات الدولة.
و بالأمس أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025 بتخصيص قطعة أرض بمساحة 41 الف فدان تقريبا تعادل 174 الف كيلو متر مربع من المساحات المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في خفض الدين العام للدولة، وإصدار الصكوك السيادية، وفقا للقوانين والقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
صفقة مرتقبة: استثمار سعودي بـ10 مليارات دولار في صكوك مصرية
قالت مصادر حكومية لـ إيجي إيكونومي إن عددًا من الشركات العقارية السعودية تعتزم الدخول في صفقة كبرى بقيمة 10 مليارات دولار عبر شراء صكوك سيادية مصرية في طرح خاص، يتم بالتنسيق مع وزارة المالية. وأكدت المصادر أن الأصول المرتبطة بالطرح تقع في مناطق استراتيجية، ويُتوقع أن تكون جاذبة للمستثمر الخليجي.
الدول التي خاضت هذا المسار، مثل السعودية وماليزيا والهند، استخدمت نماذج مختلفة لتخصيص الأصول – من خلال جهات مستقلة أو صناديق تابعة لوزارة المالية – ونجحت في طرح صكوك جذبت شرائح متنوعة من المستثمرين، بفضل وضوح الآلية والضمانات المرتبطة بالأصول.
في مصر، يُنظر إلى خطوة إصدار أول صكوك سيادية في 2023 باعتبارها بداية مسار قد يتحول إلى بديل تمويلي مستدام، بشرط تعزيز الإطار القانوني، وتوسيع قاعدة الأصول القابلة للاستخدام، ورفع مستوى الشفافية بشأن اختيار الأصول وآليات الانتفاع بها.
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد عبد الهادي، خبير الصكوك الإسلامية، إن الطرح المصري سيكون جاذبًا للأسواق الخليجية، نظرًا لما تمثله الصكوك من أداة تمويل معتمدة في العديد من الدول لخفض الدين العام، إلى جانب كونها أداة تُستخدم في تمويل المشروعات وتوسعتها من قبل الشركات.
وأضاف عبد الهادي أن “لا خوف على الأصول المطروحة في الصكوك”، مؤكدًا أنها تخضع لقواعد التمويل الإسلامي التي تقوم على المشاركة في الربح وتحمل الخسارة، ما يعزز ثقة المستثمر دون التفريط في أصل الأصول ذاتها.
وأشار إلى أن الحكومة ستُفصح حتمًا عن تفاصيل المشروع الذي سيُطرح عليه الصك، لا سيما إذا كان سيُسبق بمشروعات تنموية على الأرض المخصصة تتناسب مع موقعها الحيوي.
كما أوضح أن الطرح الجديد لا يحتاج إلى تشريع إضافي، نظرًا لوجود قانون خاص بالفعل بالصكوك تم بموجبه إصدار أول صك في 2023.
وفي ظل سعي مصر لتوسيع قاعدة تمويلها دون تحميل الموازنة مزيدًا من أعباء الدين المباشر، تبدو الصكوك السيادية، المرتبطة بأصول حقيقية، خيارًا واعدًا، بشرط توافر منظومة متكاملة تجمع بين التشريع الدقيق، والإفصاح الواضح، والحوكمة الرشيدة في اختيار الأصول وتقييمها. فالجاذبية الاستثمارية للصكوك لا تتحقق بمجرد طرحها، بل تتطلب بناء ثقة حقيقية في الآلية التي تقف خلفها، وضمان عدم تحولها إلى باب خلفي للتصرف في أملاك الدولة. ومن ثم، فإن نجاح هذه الأداة المالية لا يرتبط فقط بالحاجة التمويلية، بل بقدرة الدولة على إقناع الداخل والخارج بأن ما تطرحه هو تمويل بعقلانية، لا تفريط تحت الضغط.







