فيما سارعت الكثير من دول العالم الأكثر تقدماً إلى انتهاج سياسة حجر منزلي صارمة، بغرض احتواء فيروس كورونا، مع التزايد الكبير لأعداد المصابين بالوباء داخلها، بادرت العديد من الدول الأكثر فقراً إلى تقليد هذا النموذج وفرضه على مواطنيها المثقلين بأعباء الحياة اليومية، ونقص الرعاية الحكومية.
وفي معالجة لهذا الجانب من أزمة الوباء الجديد، نشر موقع مجلة «فورين بورليسي» تحليلاً ينطلق من التساؤل حول فوائد اتباع الدول الفقيرة لمعايير الحجر الصارمة المتخذة في الدول ذات الاقتصادات الضخمة.
وحسب التحليل، الذي اعتمد على أرقام إحصائية، ومعطيات ميدانية من دول عدة، فإن المواطنين في الدول منخفضة الدخل يرغبون فعلاً على غرار مماثليهم في تلك الأغنى في الوقاية من المرض، إلا أنهم ونتيجة للظروف الخاصة بهم، لا يريدون أن تكون الإجراءات المتخذة للوقاية طريقاً نحو الموت جوعاً.
ويشير التقرير، الذي أعده الباحثان في جامعة «ييل» الأمريكية، أحمد مشفق مبارك، وزاكاري بارنيت هويل، إلى أن أوروبا وأمريكا انتهجتا سياسة التباعد الاجتماعي المطبقة في ووهان الصينية، مع اتخاذ تدابير اقتصادية لفائدة الفئات الاجتماعية العاملة، مثل ضمان تلقي الموظفين رواتبهم وحتى إرسال شيكات تحفيزية للمواطنين، إلا أن هذه التدابير يصعب اتخاذها في بعض البلدان النامية، والتي لا يظهر العمال غير الرسميين في سجلاتها الحكومية، ولا تتوفر على إمكانات لتعميم المساعدات عليهم.
ويلفت التحليل إلى أنه وعبر عينات تمثيلية تم جمعها من ريف بنغلاديش ونيبال، على سبيل المثال، شكل انعدام الأمن الغذائي والبطالة أهم مخاوف الفقراء هناك، متقدماً على خطر الوباء المتفشي، وتوصل الباحثان إلى أنه بعد فرض الحجر في نيبال، انخفضت ساعات العمل في المناطق الريفية بنسبة 50% دون عدد الساعات التي يستطيع الناس تأمينها خلال موسم الجفاف أو ما يسمى «موسم الجوع» في دورة المحاصيل الزراعية.
وذكر الباحثان أن الهند مثلاً، سجلت حالات وفاة مواطنين فقراء على الطرقات، بسبب الإجراءات الصارمة، بعد مغادرة الآلاف من العمال الذين فقدوا أعمالهم من المدن الكبرى إلى الأرياف على أرجلهم.
ويوضح التحليل، أن الالتزام بالتدابير المتخذة للتباعد الاجتماعي صعب التحقق في الدول الفقيرة، على عكس البلدان الغنية، مشيراً إلى أنه قد تكون لعمليات الإغلاق آثار عكسية، إذ أجبرت الكثيرين على الهجرة العكسية من المناطق الحضرية المكتظة بالسكان إلى المناطق الريفية النائية، ما قد يزيد من رقعة تفشي الوباء داخلياً.
فرض الحظر الشامل يؤثر على العمالة اليومية
ويشير الباحثان إلى أن فوائد الإغلاق قد لا تكون أكثر من مضاره على دول فقيرة وذات كثافة سكانية كبيرة مثل بنغلاديش ونيجريا، حيث يحذران من أن فرض الحظر الشامل ومنع الأعمال يؤثر بشدة على اليد العاملة اليومية التي لن تجد ما يسد رمق أسرها، ما قد يتسبب في مشاكل صحية وحتى وفيات عديدة تقارب ما يمكن أن يسقطه فيروس كورونا في بعض البلدان.
ويعتمد التحليل على دراسات عليمة تشير إلى أن الفيروس يؤثر بشكل أكبر على المسنين، حيث يصل معدل الوفيات 6.4% لدى الأشخاص فوق سن الـ60، ويزيد إلى 13.4% لدى منهم فوق الـ80.
وفي غالبية البلدان منخفضة الدخل، لا تتجاوز نسبة الأفراد فوق الـ65 في المتوسط نحو 3%، مقابل 17% في الدول الغنية.
وحسب تقديرات «Imperial College»، فإن تفشي الفيروس الجديد قد يسفر، بناءً على معطيات ديمغرافية بحتة، عن وفاة 0.39% من سكان بنغلاديش و0.21% من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو أقل من نصف معدل الوفيات البالغ 0.8% المقدر للولايات المتحدة ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى.
ووفقاً للتحليل فإن سياسة التباعد الاجتماعي قد تكون فعّالة في بعض البلدان فيما لا توفر نفس الجدوائية في أخرى، إذ قد تمكن مثلاً من حماية أرواح نحو 1.3 مليون شخص في الولايات المتحدة و426000 في ألمانيا، فيما لا تتجاوز هذه الأعداد 182000 شخص في باكستان و102000 في نيجيريا.
تدابير وقائية
ويخلص الباحثان إلى أنه من المهم بالنسبة للدول الأقل دخلاً، أن تترافق تدابير الوقاية من تفشي الفيروس مع إجراءات وجهود هائلة لتوفير الغذاء، وتقديم الدعم المالي للأشخاص الأكثر عرضة لمخاطر الجوع والحرمان، وهو ما يفرض تضافراً للجهود بين الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الإنسانية وقطاع التكنولوجيا لابتكار حلول أكثر فاعلية لتعميم الدعم على المستحقين.
وتشمل الإجراءات التي يمكن اللجوء إليها في هذا الإطار: السماح للأفراد المنتجين الأقل عرضة للمخاطر بسبب الفيروس بالعودة للعمل، مع فرض ارتداء الأقنعة في الشارع وأماكن العمل، وتوجيه تدابير العزل لتستهدف أكثر المسنين والفئات الأكثر عرضة للخطر بسبب الفيروس، وتحسين الوصول إلى المياه النظيفة وغسل الأيدي والصرف الصحي، وإطلاق الحملات الإعلامية لتشجيع السلوكيات التي من شأنها إبطاء تفشي المرض، مع فرض تدابير لاحتواء الفيروس عبر حظر التجمعات والنشاطات الدينية الجماعية.