في الوقت الذي لم تكد فيه الأسواق العالمية تلتقط أنفاسها من توترات الجغرافيا السياسية المتصاعدة، جاء الصدام المباشر بين إيران وإسرائيل ليفتح صفحة جديدة من الغموض والقلق، وضغوطًا لم تسلم منها البورصات الدولية ولا البورصة المصرية التي تلقت الضربة الأقسى منذ عامين.
البورصات العالمية على إيقاع الانفجارات
رغم محاولة الأسواق الكبرى التماسك، إلا أن تداعيات التصعيد العسكري كانت كفيلة بإعادة رسم خريطة المزاج الاستثماري حول العالم.
ففي وول ستريت، انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة تجاوزت 1% مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة، في مشهد يعيد للأذهان نبرة الخوف التي أعقبت اجتياح أوكرانيا. كما قفز مؤشر التقلب VIX، المعروف باسم “مؤشر الخوف”، إلى أعلى مستوياته خلال الأسابيع الأخيرة.
في أوروبا، لم يكن الحال أفضل. فقد تراجعت مؤشرات DAX الألماني وCAC 40 الفرنسي، وكذلك الأسواق الآسيوية التي سجلت خسائر جماعية وسط قلق متزايد من انفراط عقد الاستقرار الإقليمي في واحدة من أكثر المناطق حساسية للطاقة عالميًا.
بورصات الخليج: ضربة مباشرة من الميدان
بينما كانت الأعين تتجه صوب طهران وتل أبيب، كانت الأسواق الخليجية تُترجم تلك التوترات إلى أرقام حمراء على شاشات التداول.
تراجعت مؤشرات البورصة في قطر والسعودية والكويت بنسب قاربت 4%، مع خسائر ثقيلة في أسهم شركات الغاز والطاقة، في ضوء مخاوف من استهداف البنية التحتية أو تعطّل الإمدادات عبر الخليج العربي.
البورصة المصرية: الخسارة الأكبر منذ عامين
محليًا، لم تصمد البورصة المصرية كثيرًا أمام موجة الذعر الإقليمي، لتخسر قرابة 7.7% من رأس مالها السوقي في أول جلسة تداول بعد اندلاع المواجهات.
الانخفاض لم يكن مجرد انعكاس نفسي، بل جاء مدفوعًا بمخاوف واقعية من تعطل واردات الغاز الإسرائيلي التي تعتمد عليها مصر منذ سنوات لتأمين جزء كبير من احتياجاتها الطاقوية، في ظل توقف الإنتاج مؤقتًا من بعض الحقول.
الأمر يضع العملة المحلية تحت الضغط، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على الحفاظ على استقرار الأسعار وخطط الإصلاح الاقتصادي في حال طال أمد الصراع أو تعمّق.
الذهب والنفط: المنتصران الوحيدان
وسط هذا المشهد، بدا الذهب والنفط وكأنهما الناجيان الوحيدان من العاصفة. قفزت أسعار النفط بأكثر من 10% مع تصاعد المخاوف من إغلاق محتمل لمضيق هرمز، الممر الحيوي لنحو ثلث صادرات العالم من النفط الخام، فيما استعاد الذهب بريقه كملاذ آمن وسط ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي.
رسالة السوق: مزيد من الحذر قادم
إذا كان هناك درس تعلّمه المستثمرون سريعًا من هذا التصعيد، فهو أن الجغرافيا السياسية لا تُهمل.
فالتطورات الأخيرة أظهرت هشاشة الاستقرار الإقليمي، واستعداد الأسواق لتسعير المخاطر فورًا دون انتظار نتائج الصراع.
وفي الوقت الذي يسود فيه الترقب، تبقى أدوات التحوط، والتوجه إلى الأصول الدفاعية، والتنوع الاستثماري، سبل النجاة الوحيدة للمستثمرين في المرحلة المقبلة.







