في عالم السياحة والضيافة، حيث تتنافس الأسماء العالمية على الريادة، يظل اسم كامل أبو علي حاضرًا كأحد أبرز الوجوه العربية التي صاغت لنفسها مكانة راسخة. مجلة فوربس الشرق الأوسط اختارته ضمن قائمتها لأقوى 100 قائد في قطاع السفر والضيافة لعام 2025، ليحل في المرتبة الـ 35، بعدما نجح في قيادة مجموعة بيك الباتروس لتصبح واحدة من أكبر العلامات الفندقية في المنطقة.
البدايات.. من حلم صغير إلى علامة فارقة
بدأت القصة عام 1992 مع افتتاح أول فنادق المجموعة، بيتش الباتروس في الغردقة. حينها كان المشهد السياحي المصري لا يزال في طور التشكيل، وكانت التحديات الاقتصادية والسياسية تلقي بظلالها على حركة الاستثمار. لكن أبو علي آمن منذ اللحظة الأولى بأن السياحة هي قاطرة الاقتصاد المصري، وأن الاستثمار في هذا القطاع كفيل بصناعة نهضة حقيقية.
خلال ثلاثة عقود، توسعت المجموعة لتدير اليوم نحو 40 فندقًا ومنتجعًا موزعة بين مصر والمغرب، بإجمالي يتجاوز 18 ألف غرفة. هذا التوسع لم يأتِ عشوائيًا، بل كان مبنيًا على استراتيجية متدرجة اعتمدت على “إنقاذ المشاريع المتعثرة” وتحويلها إلى نماذج نجاح.
عام 2025.. محطة استثمارية مفصلية
لم يكن اختيار فوربس لكامل أبو علي وليد الصدفة؛ فالعام الجاري شكّل علامة فارقة في مسيرة المجموعة. فقد دشّنت ثلاثة مشاريع جديدة باستثمارات إجمالية تتراوح بين 250 و300 مليون دولار:
- منتجع Albatros Makadi في الغردقة – فبراير 2025.
- فندق Palais Des Roses Agadir في المغرب – مايو 2025.
- SunGo Club Hotel في مراكش – مقرر افتتاحه في سبتمبر 2025.
هذه المشاريع ليست مجرد توسعات، بل تمثل انتقالًا نوعيًا يعزز الحضور الإقليمي للمجموعة، ويضعها على خريطة المنافسة مع كبرى سلاسل الضيافة العالمية.
الأرقام تتحدث
بحسب ما أورده أبو علي في حديثه لـ فوربس الشرق الأوسط:
- استقبلت المجموعة نحو 1.5 مليون نزيل في 2024.
- السياح الألمان مثلوا الشريحة الأكبر من عملاء المجموعة.
- خطة الخمس سنوات المقبلة تستهدف إضافة 5 آلاف غرفة جديدة.
الأرقام تكشف عن قصة نمو متصاعد، حيث نجح أبو علي في جعل مجموعته رافدًا رئيسيًا لحركة السياحة في مصر والمغرب، وساعيًا الآن لاختراق أسواق جديدة.
الاستدامة.. حجر أساس النمو
لم يغفل أبو علي عن البعد البيئي في استراتيجيته. معظم فنادق المجموعة حصلت على شهادة Green Star، وتطبّق حلولًا للطاقة المتجددة، مبادرات لتقليل النفايات، وأنظمة تشغيل صديقة للبيئة.
ولتعزيز تجربة النزلاء، تتعاون المجموعة مع شركة TrustYou الألمانية لمتابعة ملاحظات الضيوف بشكل لحظي، بما يضمن سرعة الاستجابة وتحسين جودة الخدمة. ويؤكد أبو علي أن شراكة مرتقبة مع شركة إدارة عالمية ستُعلن تفاصيلها قبل نهاية 2025، لإدخال حلول مبتكرة تواكب التحول الرقمي والاستدامة في صناعة الضيافة.
أسواق جديدة.. طموحات بلا حدود
رغم أن مصر تبقى السوق الأساسية للمجموعة، فإن أبو علي يرسم بوصلة توسع دولية واضحة. الأسواق المستهدفة تشمل:
- الإمارات العربية المتحدة: بوابة استراتيجية للشرق الأوسط.
- السعودية: مع طفرة المشاريع السياحية ورؤية 2030.
- البرتغال: سوق أوروبية صاعدة.
- تونس: وجهة متوسطية واعدة.
بهذا التوجه، يسعى أبو علي لبناء شبكة إقليمية متكاملة قادرة على منافسة اللاعبين الدوليين.
ما وراء السياحة.. حضور متعدد الأوجه
نجاحات أبو علي لم تقتصر على الضيافة. فهو ناشط في مجال الإنتاج السينمائي، حيث دعم العديد من الأعمال السينمائية المصرية. كما يشغل منصب رئيس النادي المصري لكرة القدم، ورئيس جمعية مستثمري البحر الأحمر، ما يجعله لاعبًا مؤثرًا في دوائر الاقتصاد، الرياضة والثقافة.
فلسفة العمل والقيادة
يقول أبو علي في حواره مع فوربس:
“أشعر بحماس كبير حين أرى المشروع ينتقل من فكرة مجردة إلى استثمار ناجح، فهذا ما يلهمني دائمًا لتحقيق المزيد. إن نمو المجموعة مبني على الثقة والولاء، وعلى مفهوم بسيط يؤكد أن يشعر كل ضيف بالراحة كأنه في بيته.”
هذا الاقتباس يلخص فلسفته: البساطة، الالتزام بالجودة، وبناء علاقة ولاء طويلة المدى مع النزلاء.
شهادة عالمية
اختيار فوربس الشرق الأوسط لكامل أبو علي ضمن قائمة أقوى قادة السياحة والضيافة لعام 2025 لا يمثل تكريمًا شخصيًا فحسب، بل شهادة على قدرة رأس المال المصري على المنافسة إقليميًا وعالميًا. إنها رسالة بأن قصص النجاح المحلية يمكن أن تتحول إلى علامات عالمية، حين يقودها شغف حقيقي ورؤية واضحة.
مقارنة بتجارب عربية أخرى في صناعة السياحة
حين نتأمل تجربة كامل أبو علي في مصر والمغرب، نجد أنها تنتمي إلى مدرسة مختلفة في الاستثمار السياحي مقارنة بأسماء عربية بارزة مثل الأمير الوليد بن طلال عبر مجموعة المملكة القابضة، أو رجل الأعمال الإماراتي حسين سجواني مؤسس داماك العقارية.
- الوليد بن طلال ركز على الاستثمار في سلاسل فندقية عالمية مثل “فور سيزونز” و”موفنبيك”، متبنياً استراتيجية تقوم على الشراكة مع علامات دولية راسخة، وهو ما عزز من حضور رأس المال السعودي في قطاع الضيافة الفاخرة عالميًا.
- حسين سجواني، من جهته، انطلق من سوق دبي العقاري ليؤسس مشاريع سياحية وسكنية ضخمة، متكئًا على الطفرة الاقتصادية والعقارية في الإمارات، مع دخول شراكات عالمية مثل تعاونه مع “ترامب” في قطاع الضيافة الفاخرة.
- أما كامل أبو علي، فقد اختار مسارًا مختلفًا، قوامه بناء علامة محلية خالصة – بيك الباتروس – ثم توسيعها تدريجيًا حتى أصبحت شبكة إقليمية تدير أكثر من 40 فندقًا ومنتجعًا. فلسفته لا تعتمد على استيراد العلامات الأجنبية بقدر ما تركز على ترسيخ هوية مصرية في عالم الضيافة، مع الجمع بين الكفاءة التشغيلية والابتكار.
هذه المقارنة تكشف أن أبو علي يمثل نموذجًا “قوميًا – إقليميًا”، يسعى لترسيخ حضور السياحة المصرية في الخارج، مقابل نماذج أخرى اعتمدت على “العولمة والشراكات الدولية” كمدخل للتوسع.
دلالة التجربة المصرية
في ضوء هذه المقارنة، تبدو تجربة أبو علي شهادة على أن السوق المصرية – رغم ما واجهته من تحديات اقتصادية وسياسية على مدار العقود – قادرة على إفراز علامات قادرة على المنافسة عالميًا. بينما حملت تجارب الوليد وسجواني الطابع الاستثماري المعولم، فإن تجربة أبو علي تبقى متجذرة في الداخل المصري، لكنها تمتد بخطوات ثابتة إلى المغرب والخليج.
خاتمة
منذ ثلاثة عقود، صاغ كامل أبو علي تجربة سياحية مختلفة، تجمع بين الاستثمار المدروس والابتكار المستمر. واليوم، يقف على أعتاب مرحلة جديدة من التوسع الإقليمي والدولي، محمّلًا برصيد من النجاحات يجعله رمزًا لصناعة الضيافة في الشرق الأوسط. وبين الغردقة ومراكش، وبين الماضي والمستقبل، يظل الحلم ممتدًا، يلهم أجيالًا جديدة من المستثمرين في قطاع السياحة.






