تترقب مصر في هذه الأيام ذروة موسم الفيضان، وسط تحذيرات رسمية من الحكومة باحتمالية تعرض بعض المناطق للغمر نتيجة زيادة التصريفات المائية الواردة من أعالي النيل. ومع توقعات بتجاوز كميات المياه المتدفقة خلال شهر أكتوبر المتوسطات المعتادة، تتسارع خطط الحكومة لتقليل المخاطر وحماية المواطنين، خاصة في المحافظات المتاخمة لمجرى النهر وفروعه.
التحذيرات الحكومية: إنذارات استباقية
أطلقت الحكومة المصرية، ممثلة في مجلس الوزراء ووزارة الموارد المائية والري، سلسلة من التحذيرات المبكرة شملت:
غمر أراضي طرح النهر في محافظتي المنوفية والبحيرة.
إخلاء المنازل والأراضي المجاورة للمجرى، خاصة في أشمون وفرع رشيد.
زيادة معدلات التصريف عن المعدلات التاريخية.
وقف الأنشطة الزراعية المؤقتة على الأراضي المهددة.
خطة المواجهة: إدارة منسوب وتصريف منظم
وضعت الحكومة خطة طوارئ متكاملة للتعامل مع مخاطر الفيضان، تضمنت:
1. تصريف المياه عبر السد العالي والقناطر لضبط المنسوب.
2. تفعيل غرف عمليات محلية لمتابعة الموقف في المحافظات.
3. وقف الأنشطة المخالفة داخل أراضي طرح النهر.
4. إجراءات قانونية ضد التعديات على القطاع المائي.
المحافظات المهددة بالغمر
المنوفية: مدينة أشمون والقرى المطلة على النيل.
البحيرة: مراكز كوم حمادة، الرحمانية، شبراخيت، إيتاي البارود، رشيد.
دلتا النيل: الأراضي المنخفضة على فرعي دمياط ورشيد.
تصريحات التنمية المحلية: متابعة ميدانية وخطط طوارئ
وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، أكدت أن الوزارة تتابع تجهيزات المحافظات بشكل مستمر لمواجهة موسم الأمطار والسيول بالتوازي مع مخاطر الفيضان. وأوضحت:
تم تحديث خطط الطوارئ في المحافظات، مع التنسيق الكامل مع وزارات الري والأرصاد والجهات التنفيذية.
المحافظون كُلّفوا بالمرور الميداني على شبكات الصرف، الترع، وبلاعات الأمطار، للتأكد من جاهزيتها.
هناك خطة لتوزيع المعدات في المناطق الأكثر عرضة للمخاطر، لضمان سرعة التدخل.
شددت الوزيرة على أن جميع الأجهزة التنفيذية في المحافظات تعمل “بروح الفريق الواحد” للتعامل مع أي طارئ.
هذه التصريحات تعكس أن ملف الفيضان لا يُدار من وزارة الري وحدها، بل أصبح ملفًا متعدد الأبعاد يستدعي التنسيق بين الوزارات والجهات التنفيذية كافة.
البعد الإقليمي: سد النهضة والإجراءات الأحادية
الحكومة المصرية لم تُغفل البعد الإقليمي، إذ شددت على أن الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا في تشغيل سد النهضة، دون اتفاق قانوني ملزم، تُفاقم حالة عدم اليقين المائي.
التصرفات المفاجئة من بحيرة السد تؤدي إلى تدفقات غير متوقعة نحو السودان ثم مصر.
مصر ترى أن هذه السياسات الأحادية تُضاعف مخاطر الفيضان في سنوات معينة، تمامًا كما قد تزيد مخاطر الجفاف في سنوات أخرى.
ومن هنا تتجدد المطالب المصرية بضرورة اتفاق مُلزم للملء والتشغيل يضمن الشفافية ويحمي شعوب حوض النيل من تقلبات غير محسوبة.
قراءة في المشهد
محليًا: الدولة تتحرك بخطوات متوازية بين التحذيرات، إدارة التصريف، وتحديث خطط الطوارئ عبر أجهزة التنمية المحلية.
إقليميًا: أزمة الفيضان تكشف مجددًا هشاشة الوضع المائي في ظل استمرار السياسات الأحادية من إثيوبيا.
سياسيًا: الحكومة توجّه رسالة واضحة بأن الأمن المائي لمصر قضية وجودية لا تقل أهمية عن أي ملف اقتصادي أو سياسي آخر.
التحذيرات الحكومية ليست مجرد إجراء روتيني، بل جرس إنذار للمواطنين والمؤسسات على حد سواء. وإذا كانت الدولة قد استعدت بخطط فنية وميدانية لمواجهة الفيضان، فإن معركتها الأوسع تبقى في إلزام الشركاء الإقليميين بالتعاون والشفافية، حماية لحقوق مصر المائية وضمانًا للاستقرار في مواجهة نهر ظل دومًا شريان الحياة.






