لاشك ان الصورة التى سيكون عليها شكل النظام الاقتصادي العالمي بعد انتهاء ازمه كورونا ستتوقف على المدى الزمنى للأزمة نفسها وتوقيت انتهاءها، وهنا تتضح عده سنريوهات منها مايري انه كلما طالت مده الازمه، فقد تتعقدت الأمور اكثر وتزداد صعوبه التحدي ، ألا ان ذلك التعقد واليات الحل ستكون كلها على ثوابت النظام الاقتصادي العالمي القائم حاليا وداخل هياكله الاقتصاديه المختلفه ، ولن يتجاوز الوضع الجديد بعد كورونا سوي شكل الضبط أو الترشيد أو ترتيب الأفكار وفقا لقراءة المشهد الحالي وتداعياته والتعلم من دروسه، وليس تغير لمراكز القوى الاقتصاديه الموجوده حاليا عالميا، وهو ما يوضح باختصار انه ستظل القوي الاقتصاديه المسيطره عالميا ليبرالية بقدر أكثر أو أقل من الان لكنها لن تتحول موازين القوى الاقتصاديه عالميا وتصبح ذات صبغة شيوعية أو حتى تنويعة ماركسية على الديمقراطية الغربية، كما أنه لن تتبدل علاقات السوق ولا أولوياته وإنما ستتوازى معا بأوزان ومقادير وفق احتياجات العالم وتطلعات مراكزه المالية وحسابات المكاسب والجدوى الاقتصاديه ذات معدلات الربح الاعلي، ولن يُصبح العالم أكثر إنسانية، حيث أن العلاقات والحروب الاقتصاديه لاتستند ولاتعرف بالمعايير الإنسانية، حيث أن المعايير الإنسانيه قد تعوق قدرة العالم على النمو واستعاده قواه الاقتصاديه بعد انتهاء كورونا إلى الأمام، وهى أنماط لن تقبلها القوى الاقتصاديه المهيمنة على المنظومة ومحركاتها الاقتصادية.
ولاشك انه لا مجال للانكار بأن ازمه كورونا أنهكت جميع الاقتصاديات بما فيها القوى العظمي اقتصاديا والناشئه، لكن الإنهاك كان شاملا وموزعا بالتساوى، حيث طال تأثير الأزمه الحكومات والمؤسسات والشركات ورجال الأعمال، لذا من المحتمل وبقوه أن تظل موازين القوى الاقتصاديه العالميه الموجوده حاليا على وضعها بعد انتهاء ازمه كورونا، وهو ما يعنى أن قيادة النظام الاقتصادي العالمى بعد انتهاء ازمه كورونا ستظل فى أيدى قادته قبل ظهور الازمه، وأن أشكال وانماط التغير التى قد تطرأ على المشهد الاقتصادي العالمي سترتبط بتلك الأطراف أكثر من غيرها، وستكون استجابة للمواقف والسياسات التى ستُعتمد من تلك القوى الاقتصاديه الكبرى المسيطره حاليا على مجريات اللعبه الاقتصاديه عالميا.
وفي الحقيقه وحتى نكون اكثر موضوعيه في الحكم على مخرجات المشهد الحالي لازمه كورونا وتأثيرها على اعاده رسم الخريطه الاقتصاديه العالميه، فأن ازمه كورونا لم تنشأ بسبب نظم الليبرالية أو النظام العالمى السياسي القائم حاليا ، ولن نبالغ اذا قلنا بأن الخروج من ازمه كورونا لن يتحقق إلا من خلال تلك المنظومة نفسها، لذا فإنها وفقا التوقعات لن تقود إلى أضعاف السياق الليبرالى أو إعادة الاعتبار للماركسية أو حتى تغذية الاشتراكية الديمقراطية على حساب الرأسمالية الصريحة، حتى لو تجاوزنا حقيقة أن تلك الصيغة نفسها ليبرالية مُحسنة وفق مقاييس تتلاءم مع طبيعه الدول المتقدمه اقتصاديا كمجتمعات شمال ووسط أوروبا، كما أن قراءه التاريخ تكشف وتوضح ان تجارب الماركسية السابقة بالكامل أنتجت رأسماليات حكومية مشوهة ومحكومة بالقصور الذاتى والعجز عن معالجة أزماتها الداخلية وكبح جماح البيروقراطية ثم التحول تجاه سياسات التغوّل الاقتصادى.
وبعيدا عن ايه اعتبارات ايدولوجيه لا يُمكن استنتاج أن كورونا سيشكل ثورة على سياسات الليبرالية الاقتصاديه بوضعيتها الحالية، وهو مايعني بأنه قد تتخذ الانظمه الليبرالية سلوكا متماشيا للأزمة من خلال تطوير قدرتها على تلافى الأزمات المستقبلية. وهو مايترجم في تفكيك القوى والمراكز الصناعية الكبرى وتوزيعها على مناطق مختلفه من العالم الأرض، وهو وهو مايعنى مزيدا من الاستثمار فى وجهات جديدة وغلق للانشطه الاقتصاديه فى أسواق أخرى، كما من المتوقع ان توسع الشركات فى آليات التشغيل المستقل والعمل عن بُعد، أى تقلص مساحة المؤسسات التنفيذية والإدارية الضخمة لحساب العمل المنزلى والعمالة حسب الطلب، ولعل الآثار السلبيه التي قد تترتب على هذا السيناريو أنه قد يتسبب فى تجفيف مساحة غير ضيقة من سوق العمل التقليدية وخسارة ملايين الوظائف الدائمة، كما أنه من ضمن السيناريوهات المتوقعه بعد انتهاء الأزمه حدوث تعديل في اليات الإنفاق، وزياده مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمى.
ولاشك أن العالم سيخرج من ازمه كورونا مخققا قدرا كبيرا من الخسائر من مخزونه وثرواته المتراكمة خلال العقود الأخيرة، وسيسعى بالتأكيد لتعويض تلك الخسائر، وهو مايعني تسريع وتيرة النظام الاقتصادي العالمي القائم الان وليس تغيره او توقفه أو استبداله، ونفس الأمر أيضا نفسه بالنسبه الأفراد الذين سيخرجون من تلك الأزمه في شغف لحياتهم القديمة ليصبحوا أكثر شفغا للعمل وتكوين الثروات ، ويصبحوا أكثر ثقة فى المنظومة التى أخرجتهم من الأزمة وأكثر تخوفا من احتمالات تغيرها أو الاصطدام بانماط اقتصاديه جديده لا يعرفونها ولا يطمئنون إليها.
وهناك سيناريو اخر محتمل حدوثه هو أن وتيرة الإنتاج ستتسارع لتغطى معدلات الطلب المتوقعه المرتفعه على السلع والخدمات عقب انتهاء الأزمة، كما من المتوقع أن يزداد الإنفاق الاستهلاكى وتتراجع معدلات الادخار فى الفتره التي تعقب الخروج من الأزمه مباشره، ثم يتجه مجموعه من الأفراد نحو الاحتفاظ بمدخراتهم فى شكل أصول أو ودائع بنكية، كما أن قطاعات التصنيع الصغير والتحويلى والسلع الاستهلاكية ستكون أكثر استفادة.
وفي النهايه كل ماسبق هو مجرد توقعات قد تتحقق وقد لاتتحقق، فالانظمه الاقتصاديه والثواب الاقتصاديه لم تعد ثابته كنظريات تطبيقيه فقط، فحجم التحدي الذي يشهده العالم من جراء ازمه كورونا من المتوقع أن تطرأ بسببه تغيرات عديده اقتصاديا وقد تكون متوقعه وغير متوقعه.
أحمد أبو علي باحث ومحلل اقتصادي